إن
أعظم ما عصي الله به من الذنوب الكفر به سبحانه ، وهي مرتبة من الذنوب ليس
هناك ما هو أعلى منها ، ومنزلة الكافر في ميزان الله سبحانه أحطُّ المنازل
وأدناها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء ) روه الترمذي وصححه .
لذلك
فمن رحمة الله بعباده أن أوجب عليهم الإيمان ، وحذرهم من الكفر وعواقبه ،
وبين لهم ما سيؤول إليه الكافر من العذاب المقيم ، وليس هذا التحذير من
الكفر في حق الكافر فقط ، بل هو أيضاً في حق المسلم حيث بين الشرع أسباب
الكفر والردة عن الإسلام حتى يحذرها المسلم ، ويحافظ على دينه فهو أغلى ما
يملك ، فبين الشرع أن أشدَّ أسباب الكفر وأعظمها كفر الجحود والإنكار ،
ككفر الملاحدة الذي نفوا وجود الخالق سبحانه ، وقالوا : لا إله والحياة
مادة ، فهؤلاء لا يعترفون برب ولا يؤمنون بإله ، والحياة في نظرهم آلة تدور
وتدور ، وأثناء دورانها تهلك من تهلك ، وتبقي من تبقي إلى أجل حتى تأتي
عليه عجلة الحياة فتهلكه ، لقد فهموا الحياة آلة صماء لا روح فيها ، وحكموا
على الإنسان بهذا المنطق ، وتعاموا في سذاجة مطلقة عما يشعره كل إنسان من
حاجته إلى التدين ، وإلى إله يعبده ويتقرب إليه ، فخالفوا بمنطقهم هذا داعي
الفطر والعقول ، وأثبتوا موجودا من غير موجد ، ومصنوعا من غير صانع ،
وأرجعوا ذلك إلى محض الصدفة ، فدخلوا في حظيرة من لا يعقل من أوسع الأبواب ،
ذلك أن من مبادئ العقول وأولياتها التي يوقن بها الصغار قبل الكبار أن
الموجود لا بد له من موجد ، وأن المصنوع لا بد له من صانع ، فالبعرة تدل
على البعير ، والأثر يدل على المسير ، وهذه المخلوقات بإتقانها وحسن نظامها
تدل على الحكيم الخبير سبحانه .
ومن
أقسام كفر الجحود والإنكار التكذيب بما علم من الدين بالضرورة ، أو بمعنى
أوضح التكذيب بما نسبته إلى الدين قطعية ، فمن أنكر وجوب الصلاة مثلا ، أو
وجوب صوم رمضان ، أو وجوب الزكاة ، أو وجوب الجهاد أو نحو ذلك من غير عذر
شرعي فقد كفر لتكذيبه القرآن في فرض ذلك وإيجابه ، وقد اتفقت كلمة علماء
الإسلام على ذلك من غير خلاف بينهم قال القاضي عياض : " .. وكذلك نقطع بتكفير كل من كذَّب وأنكر قاعدة من قواعد الشرع وما تواتر كمن أنكر وجوب الصلوات الخمس " الشفا 2/1073 .
ومن
أسباب الكفر : سب معظم في الشرع وتحقيره كسب الله جل وعلا ، وسب رسوله صلى
الله عليه وسلم ، وسبِّ الملائكة الكرام ، أو دوس المصحف ورميه في
القاذورات ، فكل هذه من أسباب الكفر ، قال القاضي عياض : " اعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف أو بشيء منه ، أو سبهما .... فهو كافر عند أهل العلم " ( الشفا 2/1101 )
ومن
أسبابه أيضاً : الشكُّ في حكمٍ من أحكام الله أو خبرٍ من أخباره ، كمن شك
في البعث والحشر والجنة والنار ، أو شك في وجوب الصلاة والصوم والحج
والزكاة فإن هذه من الأمور التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها إيمانا قطعيا
لا شك فيه ، وقد امتدح الله سبحانه إيمان الموقن الذي لم يخالط إيمانه شك ،
فقال :{ إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون } ( الحجرات: 15) ، وقال صلى الله عليه وسلم :( أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة ) رواه مسلم .
ومن أسبابه كذلك الاستهزاء بشيء من الدين ، قال الله تعالى: { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } ( التوبة:65- 66) قال شيخ الإسلام ابن تيمية
في كتابه: "الصارم المسلول على شاتم الرسول : " وهذا نص في أن الاستهزاء
بالله وبآياته وبرسوله كفر " فيجب على المسلم أن يحذر هذه المزالق الخطيرة ،
ومن كان لاعبا فلا يلعبن بدينه .
هذه
بعض أنواع الكفر وهي دائرة بين أن تكون قولاً باللسان ، أو اعتقاداً
بالقلب ، أو عملاً بالجوارح . والكفر في جميع صوره قبيح ، إذ هو اعتداء على
الخالق سبحانه ، لذلك كان من حكمة الباري سبحانه أن جعل عقوبة الكفر أقسى
العقوبات وأشدها ، فحرم على الكافر الجنة ، وقضى عليه بالخلود الأبدي في
نار جهنم ، وحرمه من أن تناله مغفرته ، أو أن يشفع فيه شافع ، كل ذلك
مبالغة في العقوبة ، لأن الذنب قد بلغ أقصى درجات القبح .