الأولى : كوني مثل هذه
روي أن شريحا القاضي قابل الشعبي يوما، فسأله الشعبي عن حاله في بيته،
فقال له من عشرين عاماً لم أر ما يغضبني من أهلي،
قال له:وكيف ذلك؟
قال شريح:من أول ليلة دخلت على امرأتي، رأيت فيها حسنا فتانا، وجمالاً نادرا،
- قلت في نفسي: فلأطهر وأصلي ركعتين شكراً لله، فلما سلمت وجدت زوجتي تصلي بصلاتي، وتسلم بسلامي،
فلما خلا البيت من الأصحاب والأصدقاء؛ قمت إليها، فمددت يدي نحوها.
فقالت: على رسلك يا أبا أمية،كما أنت،
ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله،
إني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك، فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأتركه،
وقالت: إنه كان في قومك من تتزوجه من نسائكم، وفي قومي من الرجال من هو كفء لي،
ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت؟ فاصنع ما أمرك به الله،
إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولك.
قال شريح: فأحوجتني- والله يا شعبي- إلى الخطبة في الموضع،
فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على النبي وآله وأسلم، وبعد...
فإنك قلت كلاما إن ثبت عليه يكن ذلك حظك، وإن تدعيه يكن حجة عليك،
أحب كذا وكذا، وأكره كذا وكذا، وما رأيت من حسنة فانشريها، وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت:كيف محبتك لزيارة أهلي؟
قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.
فقالت: فمن تحب من جيرانك أن يدخل دارك فآذن له، ومن تكره فأكره؟
قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال شريح: فبت معها بأنعم ليلة، وعشت معها حولاً لا أرى إلا ما أحب،
فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، فإذا بفلانة في البيت.
قلت: من هي؟
قالوا: ختنك- أي أم زوجته -.
فالتفتت إلي،وسألتني: كيف رأيت زوجتك؟
قلت: خير زوجة.
قالت: يا أبا أمية إن المرأة لا تكون أسوأ حالاً منها في حالين: إذا ولدت غلاما،
أو حظيت عند زوجها،فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم شرا من المرأة المدللة،
فأدب ما شئت أن تؤدب، وهذب ما شئت أن تهذب.
فمكثت معي عشرين عاما لم أعقب عليها في شيء إلا مرة، وكنت لها ظالما. انتهى .
نماذج مشرقة من الجيل الأول ..... ولا يخل هذا الزمان من الصالحات والحمد لله.