في عالم ٍ تمادى فيه الظالمون وتجبـّروا ..
وفي زمن ٍ تفشى فيه مرض التعالي على الآخرين ، وتعدّى فيه القوي ّ على الضعيف ..
في هذا الزمان العصيب ..
عـُدت ُ بمخيـّلتي ألفا ً وأربعمائة عاما ً للوراء ، وتخيـّلت ُ مجتمعا ً
رائعا ً ساد فيه العدل ، وغاب عنه الظلم ، وشاع فيه احترام الآخرين ..
تراءت في مخيـّلتي صورة ٌ
لذلك المجتمع الراقي الذي بناه ُ رسول البشرية ووضع دعائمه الراسخة ، وأرسى
فيه قواعد العدل والتواضع والاحترام وحفظ حقوق الآخرين ..
ذلك المجتمع المتحضر الذي
بناه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد أن كان مجتمعا ً متخلفا ً تحكمه
الجاهلية ، وتسوده سياسة الظلم والرق والعبودية ..
عمد إلى هذا المجتمع الجاهلي ّ ، فأحاله مجتمعا ً مثاليا ً في كل شيء ، ضاربا ً أروع الأمثلة في فن احترام الآخرين ..
هناك تمثـّلت حضارة الإسلام .. يوم كان القوي ّ يـُعين الضعيف ، والغني ّ يحترم الفقير ، والسيـّد َ يـُنصف الخادم ..
بفضل تربية النبي الحكيمة ، بَعث رسول الله في الإنسانية حياة جديدة ..
بيـّن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأمته كيف تكون معاملة مـَن ليست لهم مكانة ، ومـَن ليس عندهم قوة ومنعة ..
وحث ّ أصحابه على الرحمة بالخدم الضعفاء ، وأمرهم بالرفق بهم ، وأوصى بهم خيرا ً ..
جعل الإسلام للخادم مكانة بين
المسلمين ، وأكد مبدأ المساواة بين الخادم وسيـّده ، وأمر أن تكون معاملة
السيد لخادمه منطلقة من مبدأ الأخوة الإسلامية ..
يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
{ إخوانكم
خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ،
وليـُلبسه مما يلبس ، ولا تكلـّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلـّفتموهم فأعينوهم
عليه } ..
بيـّن هذا الحديث الشريف أصول
معاملة الخدم ، فالخادم أخ ٌ لسيده ، ولا يحق ّ للسيد أن يغتر ّ بقدرته
على الخادم الذي جعله الله تحت يده ..
أي ّ عدل ٍ هذا ؟؟ وأي ّ رحمة ٍ وأي ّ تواضع ؟؟