الاعتكاف
سنَّة مؤكدة، وهدي نبوي فاضل، التزمه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
مات، كما حدثتنا بذلك عائشة رضي الله عنها، واعتكف أزواجه من بعده، وأصل
ذلك في صحيح مسلم وغيره.
كما اعتكف أصحابه معه وبعده، ودرج على ذلك العلماء والعبَّاد والزهَّاد وطلاب الآخرة.
والاعتكاف
المسنون هو اعتكاف الروح والجسد إلى جوار الرب الكريم المنان في خلوة
مشروعة تتخلص النفس من أوضار المتاع الفاني، واللذة العاجلة، وتبحر الروح
في الملكوت الطاهر؛ طالبة القرب من الحبيب مالك الملك ملتمسة لنفحاته
المباركات.
الاعتكاف المسنون هو الخلوة الصادقة مع الله تفكراً في
آلائه ومننه وفضائله، واعترافاً بربوبيته وإلهيته وعظمته، وإقراراً بكل
حقوقه، وثناء عليه بكل جميل ومحمود.
الاعتكاف المسنون قيام وذكر وقراءة قرآن، وإحياء لساعات الليل بكل طيب وصالح من قول وعمل.
لقد أصاب الاعتكاف من بركات الصحوة وأصاب الصحوة من بركات الاعتكاف.
فأحيا الأخيار سنة الاعتكاف بعد أن عطلت ونُسيت دهراً طويلاً.
بيد أن هذا الاعتكاف كاد أن يخرج عن إطاره المشروع، وهدفه السامي لدى البعض، ومن ثم قلَّت منافعه وانحسرت فوائده، فمن ذلك:
1) الرياء والسمعة:
وكلنا يعلم أن الرياء والسمعة مبطلان للعمل، وهو ضرب من الشرك الخفي الذي حذر منه نبينا عليه السلام.
فكثيراً من يجاهر بعضنا باعتكافه بلا مناسبة، وكان حق هذا العمل الصالح الاجتهاد في إخفائه عمن لا يعلم به على الأقل.
2) الإكثار من لغو الحديث:
فقد
يجتمع في المعتكف أشخاص كثيرون، وربما بعضهم يعرف بعضاً، فيجلس بعضهم إلى
بعض يتجاذبون أطراف الأحاديث والمناقشات وغيرها يقطعون بها الوقت، وفي ذلك
حرمان لكل واحد منهم من الخلوة بالنفس والقرب من الرب والتفرُّغ للعبادة،
وكلها مقاصد كبرى للاعتكاف.
3) الانشغال بالهاتف الجوال:
وأعجب
من الفقرة السابقة، الاتصالات الهاتفية عبر الجوال، حيث يتَّصل المعتكف بكل
معارفه وأصدقائه، ويسألهم ويسألونه عن الصغير والكبير والجليل والحقير من
الأمور ويتبادلون المزاح، والطُرَف والمُلَح، فأين هؤلاء من قول عائشة -كما
في صحيح مسلم- أنها كانت تدخل البيت للحاجة والمريض فيه فلا تسأل عنه إلا
وهي مارة إذا كانت معتكفة