#
ومما دعا إليه الإسلام لخير الإنسانية
#
: إقامة العدل بين الناس كل الناس،
#
فليس عدلا للعرب وحدهم،
#
إنما هو عدل للناس كلهم جميعا.
يقول تعالى في بيان أهداف الرسالات السماوية:
#
(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)،
#
وهكذا تبين أن إرسال الرسل،
#
وإنزال الكتب إنما كانا لتحقيق هدف أساسي
#
، هو: أن يقوم (الناس) بالقسط، وهو العدل، الذي به يعطي كل ذي حق حقه.
وقال تعالى:
#
(إن
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا
حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).
هكذا بهذا التعميم "إذا حكمتم بين (الناس) لا بين المسلمين فحسب.
وقد
أنزل الله تسع آيات في سورة النساء عتابا
للرسول الكريم حين هم أن يدافع عن قوم من المسلمين
الضعفاء أو من المنافقين، اتهموا يهوديا ظلما
بالسرقة، ولم يكن هو بالسارق، وإنما هم
السراق. قال تعالى:
(إنا
أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين
الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما،
واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما، ولا تجادل عن
الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من
كان خوانا أثيما..) الآيات.
وقد
أمر الله المؤمنين أن يقوموا بالقسط
شهداء لله، لا يمنعهم من ذلك عاطفة حب لقريب، أو بغض
لبعيد، فالعدل فوق عواطف المحبة والكره، ويجب
أن يكون لله.
يقول تعالى: (يا
أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله
ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين).
#
فهذا هو العدل مع من تحب ولو كان أحد
والديك أو أقرب أقربائك، بل لو كان نفسك ذاتها.
ويقول سبحانه:
(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله
شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على
ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى، واتقوا الله)
#
، فهذا هو العدل مع من تكره من الناس، ممن يحملون لهم (الشنآن).
#
والشنآن هو: شدة البغض والعداوة. ولكن هذا لا
يجوز أن يحمل المؤمنين على الظلم، فإن الله لا يحب
الظالمين، ولا يهديهم، ولن يفلحوا أبدا، لا
في الدنيا ولا في الآخرة.
وقد
طبق المسلمون هذا العدل مع الشعوب كلها،
في عصر النبوة، وفي العصور الراشدة، وفي
القرون الأولى ـ خير القرون ـ بصفة عامة،
ووجدنا عمر بن الخطاب يأمر لرجل قبطي مصري بالقصاص من
ابن الوالي على مصر: عمرو بن العاص. ويقول
لعمرو كلمته التاريخية: يا عمرو متى
استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهمأحرارا؟
وهذه
الكلمة التي قالها عمر على البديهة،
أصبحت تفتح بها مواثيق حقوق الإنسان
ودساتير الأمم المتقدمة في العصر الحديث.
ومما يجب التنويه به هنا:
#
أن الإسلام أشعر جماهير الناس
#
،
أن العدل فريضة لا تهاون فيها، وأن كل
مظلوم سيأخذ حقه ممن ظلمه، فلا غرو أن سافر الرجل
من الفسطاط إلى المدينة ـ وهو سفر شاق طويل ـ
ليطالب بحقه. وقد كان في عهد الرومان يضرب
ويسلب وتنتهك حرماته، فلا يرفع بذلك
رأسا، لأنه لا يجد من يشكو إليه، ولو وجده فلن يستمع
إليه…
وفي عهد علي بن أبي طالب حكم قاضيه شريح
لنصراني على أمير المؤمنين، لأنه لم يكن لديه
بينة، وهنا لم يملك النصراني، إلا أن يعلن
إسلامه على الملأ. ويشهد أن عليا هو صاحب الحق،
ويقول: هذه أحكام أنبياء!
والأمثلة على ذلك كثيرة، والتاريخ حافل بالشواهد.